في عالم تتقلب فيه الظروف وتزداد فيه الحاجة إلى الرحمة والتكافل، تظل الصدقة الجارية من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه، فهي عملٌ لا يتوقف أثره، ونهر من الحسنات لا ينضب، وطريق مضمون للفوز برضوان الله تعالى. وقد جاءت النصوص الشرعية الكثيرة لتُبرز مكانة الصدقة، لا سيما الصدقة الجارية، وفضلها الكبير عند الله.

معنى الصدقة الجارية

هي كل عمل خيري يستمر نفعه بعد موت صاحبه، سواء كان بناء مسجد، حفر بئر، نشر علم، أو غير ذلك من الأعمال التي يُنتفع بها على مدى الزمن.

قال رسول الله ﷺ:

“إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له.”
(رواه مسلم)

وفي هذا الحديث، دلالة عظيمة على أن الصدقة الجارية من الأعمال التي تبقى مفتوحة الأجر بعد موت الإنسان، وهو ما يجعلها من أحب الأعمال إلى الله عز وجل.

فضل الصدقة في القرآن الكريم

ورد ذكر الصدقة في مواضع عديدة من القرآن الكريم، تؤكد على فضلها ومكانتها:

  • قال تعالى:

“مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ، فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ، وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ”
(البقرة: 261)

  • وقال تعالى:

“الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ”
(البقرة: 274)

  • وقال سبحانه:

“وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ”
(البقرة: 110)

الصدقة في السنة النبوية

بالإضافة إلى الحديث المشهور عن انقطاع العمل بعد الموت، وردت عدة أحاديث تؤكد فضل الصدقة:

  • قال رسول الله ﷺ:

“اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة.”
(رواه البخاري ومسلم)

  • وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:

“أيكم مال وارثه أحبُّ إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخَّر.”
(رواه البخاري)

  • وقال ﷺ:

“الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.”
(رواه الترمذي)

لماذا الصدقة الجارية من أحب الأعمال إلى الله؟

الأجر المستمر والمتضاعف

الصدقة الجارية تبقى تجري بالحسنات لصاحبها طالما استمر نفعها، كما قال الله تعالى:

“إِن تُقْرِضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ”
(التغابن: 17)

تسُد حاجات الناس وتبني المجتمعات

الصدقة الجارية في بناء مدرسة، أو مركز صحي، أو توفير مياه نظيفة، هي مشاريع تنموية ترفع من قدر المجتمعات وتُزيل الفقر والجهل والمرض.

أمثلة عظيمة على الصدقة الجارية

نوع المشروع الجارية أثرها المستمر
بناء مسجد عبادة وصلاة وذكر وتعليم للناس على مدى عقود
حفر بئر ماء يروي العطشى ويوفّر حياة نظيفة وآمنة للمجتمعات المحرومة
كفالة يتيم رعاية شاملة لطفل في مأكله وتعليمه ونموه النفسي والاجتماعي
طباعة مصاحف وكتب علمية نشر العلم والدين للأجيال القادمة
دعم التعليم بناء أجيال متعلمة تنهض بأمتها
وقف مالي خيري استثمار مستمر يعود ريعه سنويًا على مشاريع إنسانية مختلفة

كيف تبدأ صدقتك الجارية؟

  • اختر المجال الذي يلامس قلبك: التعليم، المياه، الغذاء، القرآن الكريم، أو رعاية الأيتام.

  •  ابحث عن مؤسسة موثوقة تنفذ مشاريع وقفية مستدامة.

  • اجعل نيتك خالصة لوجه الله، واحتسب الأجر العظيم.

الصدقة الجارية بعد الوفاة

الناس إذا ماتوا انقطعت أعمالهم، لكن من زرع صدقة جارية، ترك إرثًا من النور لا ينطفئ.
فكل من شرب من البئر، أو صلى في المسجد، أو تعلّم من المصحف، أو تخرّج من المدرسة… يُكتب أجره في ميزان صاحب الصدقة.

صندوق الوقف الدولي

بخلاف العديد من المؤسسات الخيرية الأخرى، يستثمر صندوق الوقف الدولي (IWF) صدقاتكم في أصول وقفية طويلة الأجل. تُستخدم عوائد هذه الاستثمارات لدعم مشاريع مثل التعليم، والمساعدات الطارئة، والحملات الموسمية – عامًا بعد عام.