المحتويات
بين الحاجة الإنسانية والرؤية الحضارية
في ظل تصاعد التحديات الإنسانية، وازدياد أعداد المحتاجين والنازحين والمرضى حول العالم، يُعد الوقف الخيري من أعظم أدوات التمكين المستدام، لا باعتباره عملًا تطوعيًا مؤقتًا، بل كنموذج تنموي استراتيجي يُعيد توزيع الموارد بشكل عادل، ويمنح المجتمعات أدوات الاكتفاء الذاتي.
فالوقف في المفهوم الإسلامي، لا يُقصد به العطاء العابر، بل بناء مؤسساتٍ خيرية راسخة تخدم الإنسان طويلًا، دون انقطاع، وبعيدًا عن التبعية أو الفقر الموسمي.
تعريف الوقف الخيري لغةً وشرعًا
الوقف الخيري لغةً: الحبس والمنع.
اصطلاحًا: هو “حبس الأصل، وتسبيل المنفعة”، أي تخصيص أصل مالٍ معين ومنع بيعه أو وراثته، وتخصيص منفعته أو ريعه في وجه من وجوه الخير الدائمة.
الوقف الخيري: منظور تشريعي وتاريخي
منذ عهد النبي ﷺ، كان الوقف وسيلة من وسائل بناء الدولة الإسلامية، ودعم الفقراء، وتمويل التعليم، ورعاية المحتاجين.
وقد أسس النبي ﷺ أول وقف في الإسلام وهو وقف بئر رومة بالمدينة، حين اشتراها الصحابي عثمان بن عفان رضي الله عنه وجعلها وقفًا للمسلمين.
كما أسّس الصحابة والتابعون أوقافًا في:
التعليم (مدارس، كتاتيب، مكتبات)
الصحة (بيمارستانات ومستشفيات)
رعاية الأيتام والأرامل
إغاثة المنكوبين
دعم المسافرين والعابرين
لماذا يُعد الوقف الخيري استثمارًا طويل الأمد؟
الوقف ليس مجرد إحسان، بل هو استثمار إستراتيجي في مستقبل المجتمعات، ويتميز بـ:
1. الديمومة
بخلاف التبرعات الآنية، الوقف يضمن استمرار المنفعة لعقود أو قرون.
2. الاستقلال المالي
يوفر للجهات الخيرية مصدر دخل ثابت، دون الحاجة لطلب دائم للدعم.
3. التأثير التراكمي
كل سنة يُضاعف الأثر ويزيد عدد المستفيدين دون الحاجة لزيادة التمويل.
4. الأجر الجاري للواقف
وعد الله عز وجل الواقف بأجر لا ينقطع، ما دام الوقف يعمل.
5. إعادة تدوير المال في نفع المجتمع
الأوقاف تُمكن من توجيه الثروات الفردية نحو خدمة عامة.
المجالات الحديثة للوقف الخيري
الوقف الخيري اليوم لا يقتصر على بناء المساجد أو طباعة المصاحف، بل أصبح يغطي معظم احتياجات المجتمعات الإنسانية، ومنها:
1. الوقف التعليمي
بناء المدارس والمعاهد والجامعات.
كفالة طلاب العلم.
توفير الأجهزة الذكية والمستلزمات التعليمية.
دعم المنصات الرقمية المجانية للتعلم.
أثره: محو الأمية، تمكين الأجيال، بناء كوادر مجتمعية.
2. الوقف الصحي
إنشاء العيادات والمراكز الصحية.
شراء أجهزة طبية (أشعة – غسيل كلى – حضّانات).
تمويل الأدوية والعلاجات المكلفة.
دعم المصابين بالأمراض المزمنة والنادرة.
أثره: إنقاذ الأرواح، تخفيف الضغط على النظام الصحي، كسر حلقة الفقر الصحي.
3. الوقف الغذائي والإغاثي
مطابخ خيرية.
صناديق تموين شهرية.
دعم الغذاء المدرسي.
أوقاف للكوارث الطبيعية والنزوح.
أثره: تقليل المجاعات، تقوية الأمن الغذائي، دعم الكرامة الإنسانية.
4. الوقف الاقتصادي والتمكيني
تمويل المشاريع الصغيرة للعائلات المحتاجة.
أدوات إنتاج (ماكينات، أدوات مهنية).
التدريب المهني المستدام للشباب والنساء.
أثره: إخراج الأسر من دائرة الفقر، خلق فرص عمل محلية، تعزيز الاعتماد على الذات.

5. الوقف الديني والثقافي
المساجد والمراكز الإسلامية.
المكتبات الوقفية.
دعم المؤتمرات العلمية.
طباعة كتب الفقه والدعوة.
6. الوقف الخيري وكفالة اليتيم: نموذج للرحمة المستدامة
يُعد كفالة اليتيم من أعظم أبواب البر في الإسلام، وقد قرنها النبي ﷺ بمرافقته في الجنة حين قال:
“أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين” – وأشار بإصبعيه.
ولأجل ضمان استمرار هذا العمل النبيل، جاء الوقف الخيري كأداة استراتيجية تؤسس لكفالة دائمة، لا تنقطع بوفاة الكافل أو تغير الظروف الاقتصادية.
فالواقف حين يُخصص أصلًا ثابتًا (مثل عقار أو سهم أو صندوق وقفي)، ويجعل ريعه الشهري أو السنوي لصالح الأيتام، فإنه يحقق كفالة مستمرة تغطي احتياجات اليتيم من:
الغذاء والكساء.
التعليم والرعاية الصحية.
الدعم النفسي والاجتماعي.
- بل إن الوقف الخيري يتيح كفالة مجموعات من الأيتام ضمن خطط مؤسسية، تُعفيهم من الحاجة المتكررة وتمنحهم مستقبلًا أكثر أمانًا.

كيف تبدأ بوقفك الخاص ؟
من خلال الموقع الإلكتروني لصندوق الوقف الدولي تتبرع بقيمة السهم، ثم يقوم الصندوق باستثمار المبلغ والاستفادة من عائداته السنوية في تمويل صندوق الإغاثة الطارئة.
كل عام سينمو تبرعك وينقذ المزيد من الناس في مجتمعات مختلفة، وهذه هي الغاية.